الشّيخ حسن حبنّكة الميداني
حسن حبنّكة الميداني
العالم العَلَم المجاهد
1398-1326هـ = 1908-1978م
اسمه وولادته:
الشّيخ حسن بن مرزوق حبنّكة الشّهير بالميداني، الدّمشقي الشّافعي.
ولد الشّيخ حسن بمحلّة الجزماتيّة في حي الميدان في دمشق سنة 1326هـ/1908م، في أحضان عائلة تتّصف بالاستقامة والصّلاح، فوالده الحاج مرزوق، عُرف بتدينه ومواظبته على الطّاعات، وحبّ فعل الخيرات، وأمّا والدته فهي الحاجّة خديجة المصري، من قرية الكسوة جنوب دمشق، وهي من النّساء الصّالحات العفيفات، وقد توفّيت رحمها الله أثناء عودتها من الحجّ، وكان معها ابنها الشّيخ حسن، ويرجع أصل أسرته إلى العرب المعروفين ببني خالد من بادية حماة.
نشأته:
نشأ الشّيخ منذ طفولته متوقّد الذّكاء، قوي الحافظة طموحاً، محبّاً للعلم والفضيلة، تعلم في الكتّاب عند الشّيخ سليم اللّبني القراءة والكتابة وقراءة القرآن العظيم، ثمّ درس في مدرسة الشّيخ شريف اليعقوبي الابتدائيّة.
شيوخه:
تتلمذ الشّيخ حسن على كبار علماء دمشق، كالشّيخ عبد القادر شموط، والشّيخ أمين سويد، والشّيخ عبد القادر الإسكندراني، والشّيخ سعيد البتليسي، والشّيخ عطا الكسم، والشّيخ أحمد العطّار، والشّيخ بدر الدّين الحسني، والشّيخ عليّ الدّقر، والشّيخ محمود العطّار، وكانت أغلب دراسته عليه، وتعمّق عليه في العلوم، وأكثر انتفاعه كان به، رحمهم الله جميعاً.
تلاميذه:
تتلمذ على يدي الشّيخ حسن مئات من طلّاب العلم، وصار بعضهم من كبار العلماء، من أمثال: أخيه الشّيخ صادق حبنّكة، وولده الشّيخ عبد الرّحمن حسن حبنكة، والشيخ حسين خطاب شيخ قرّاء الشّام، وشيخ قراء الشّام من بعده محمد كريّم راجح والشيخ خيرو ياسين والشّيخ مصطفى الخن، والشّيخ محمد سعيد رمضان البوطي والشّيخ مصطفى البغا، وغيرهم كثير.
من مواقفه الجهاديّة :
-
شارك الشّيخ في الثّورة ضدّ الفرنسيين، ولحق بجماعة الشّيخ محمّد الأشمر، ولمّا رأى أنّ شوكة الفرنسيين قد اشتدّت وأنّهم قد استقرّوا في بلاد الشّام؛ خرج من بلاده إلى الأردن وأقام فيه حوالي سنتين ثمّ عاد إلى دمشق.
-
لمّا أراد الاستخراب الفرنسي في سورية سَنّ قانون الطّوائف، وفيه تجويز زواج المسلمات باليهـود والنّصارى وغيرهم من طوائف بلاد الشّام؛ قام الشّيخ في وجه الاحتلال الفرنسي، ونظم مظاهرة كبيرة خرجت من حي الميدان تريد مبنى رئاسة الوزراء، وضجّت الحكومة بها، وخافت من عواقبها وطلبت من الشيخ حسن إرجاع المتظاهرين؛ ليتسنّى للمندوب السامي الفرنسي الاتصال بحكومة بلاده واستشارتها في إلغاء القانون فوافق الشيخ، ثم ألغي القانون بعد ذلك بفضل الله تعالى ثمّ بفضل قوّة الشيخ وإقدامه، ولقد كان شعار المظاهرة: "ديننا لا نبغي به بديلا، وليسقط قانون الطّوائف".
-
صدع الشّيخ حسن بالحقّ بقوة أمام رئيس الجمهورية الفريق أمين الحافظ يوم استدعى العلماء ليوبّخهم على وقوفهم ضدّ قوانين التّأميم الاشتراكيّـة الّتي صدرت سنة 1384هـ/1965م، وأسمع الرّئيس ومعاونيه حكم الإسلام في صنيعهم بقوّة وشجاعة بالغة.
-
كتب أحد الملاحدة المجرمين مقالاً مسموماً يستهزئ فيه بالله تعالى في مجلّة الجيش الرّسمية، فخطب الشّيخ ضدّ هذه المقالة الكافرة، فقامت الحكومة بالقبض على الشّيخ وسجنه في سجن القلعة، وأرادوا قتله لكنّ الله تعالى نجاه بالنّكبـة التي نُكبت فيها بلاد الشّام في حرب سنة 1967م، فقرّرت القيادة إطلاق سراحه، فطلب إطلاق سراح المسجونين بسبب قضيّته، وهم ألوف، فوافقت القيادة وأطلقت الجميع، لكن السّلطة أصدرت مراسيم بإلغاء جمعيّته بعد سجّنه، وصادرت أملاكها.
أعماله:
-
اعتمد الشّيخ عليّ الدّقر على الشّيخ حسن حبنكة بالإشراف على مدارس الجمعيّة الغرّاء، ومن المدارس الّتي أسّسها الشيخ حسن مدرسة (سعادة الأبناء) ومدرسة (وقاية الأبناء) وكان مديراً لها، ومن قبلها كان مديراً لمدرسة (الرّيحانية).
-
أسّس الشّيخ حسن «جمعيّة التوجيه الإسلامي» سنة 1365هـ/1946م، وكانت الجمعيّة تستقبل الطّلاب من كلّ مكان، وتُعنى بهم وتدرّسهم مجانًا.
-
أسهم في تأسيس رابطة العلماء، وكان أمينها العام، ثمّ صار رئيسها بعد وفاة الشّيخ مكّي الكتّاني رحمهم الله جميعاً.
-
انتخب عضواً للمجلس التّأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، بعد أن فرغ مقعد سورية بموت الشّيخ محمّد مكّي الكتّاني.
-
عرض عليه الشّيخ تاج الدّين الحسني يوم كان رئيساً للجمهوريّة السّورية منصب مدير عام الأوقاف فرفض.
-
كان الشّيخ شغوفاً بالتّدريس وبذل العلم، وبقي في تعليمه حتّى آخر أيّام حياته.
-
تولّى الخطابة واستمرّ فيها أكثر من أربعين سنة، فكان خطيباً من الطّراز الأوّل.
-
أسهم في إنشاء جمعيّات خيريّة، منها (جمعيّة أسرة العمل الخيري).
نموذج عن برنامجه اليومي:
كان له درس عام جامع للعامّة بعد الفجر إلى الضّحى، ثمّ يفطر مع الطّلاب، ثمّ يدرّس كبار الطّلاب إلى قُبيل صلاة الظّهر، ثمّ إنّه يفرّغ لنفسه من الظّهر إلى العصر، وبعد العصر كان له درس إلى أذان المغرب مع كبار طلّابه، ثمّ بعد المغرب يحين وقت الدّرس العام الجامع للعامّة، وبعد العشاء درس للطّلّاب الذّين لا تسعفهم أحوالهم للدّراسة النّهارية فيأتون إليه ليلاً، ثمّ بعد فراغ الدّرس يعود إلى بيته، لكنّه كان كثيراً ما يحبّ البقاء في الجامع والبيات فيه؛ ليوقظ طلّابه لصلاة الفجر جماعة، ويقوم سحراً للصّلاة والدّعاء والتّسبيح، وربما طالع بعض كتب العلم في ذلك الوقت، هذا عدا قضايا المسلمين العامّة الّتي كانت تؤرّقه وتأتي على الوقت الّذي بقي له من يومه وليلته.
صفاته:
لقد كان الشّيخ حادّ الذّكاء، حاضر البديهة، عميق التّفكير، صادق الفراسة، وكان فصيح اللّسان خطيباً جماهيريّاً يملك قلوب وأفكار مستمعيه، وكان عظيم الصّبر على النّاس، كثير التّسامح، حريصاً على تأليف القلوب، وكان كثير الاهتمام بعيادة المرضى والدّعاء لهم بالشّفاء، وكان حكيماً في فضِّ المنازعات وإطفاء نيران الفتنة بين النّاس، وكان عفيفاً يعلّم طلّابه ويدرّبهم على العفّة والتّرفع عن الدّنايا، وكان يجمع بين تواضع المؤمن وعزّة الإيمان. وممّا يمتاز به الشّيخ حسن رحمه الله:
-
الإخلاص لله عزّ وجلّ.
-
الهمّة العالية.
-
الحكمـة.
-
موهبة القيادة.
-
القوّة والشّجاعة.
طريقته في التّعليم:
-
تعليم الطّلاب مبادئ العلم ومفاتيحه.
-
تدريب الطّلاب على استخراج المسائل من المراجع العلميّة.
-
يقيم حلقات للمناقشة العلميّة.
-
يدفع بطلّابه إلى التّدريس والخطابة وإلقاء المواعظ في المساجد.
-
يدرّب طلّابه على السّباحة والفروسيّة وركوب الخيل.
-
يقوم مع طلّابه بجولات دعويّة إلى القرى.
-
كان رحمه الله يتصيّد أيِّ حدث يمكن الاستفادة منه لتربية العقائد والمفاهيم الإسلامية وتثبيتها وتعميقها.
شعر الشّيخ:
كان للشّيخ شعر جيد على أنّه لم يكن مكثراً، فمن شعره:
بـنـي ديني هلـمّـوا أنـقـذونا فـنـار الـكفـر تـلـتـهم الـبنينا
وأنـتم عاكـفون على فسوق فـكـم نشـقى وأنـتـم نـائمـونا
فـتـنـتم بالّذي يفـنى سـريعاً وأغـراكـم خـداع الـكـافريـنا
فعن نهج السّداد صرفتمونا ومن ثدي الجحود غذوتمونا
مؤلّفاته:
لم يفرغ الشّيخ للتّصنيف؛ وإنّما كان يقول: (أنا أؤلّف الرّجال).
وله مؤلّف مطبوع وهو: شرح على نظم "الغاية والتّقريب" في الفقه الشّافعي.
أقوال العلماء فيه:
رثاه الشّيخ أبو الحسن النّدوي رحمه الله فقال عنه:
" قد حُرم العالم الإسلامي بوفاته علماً من أعلام العلم والرّوحانيّة، فقد فيه رجلاً كبيراً لا ينساه التّاريخ المعاصر، ويسجّل آثاره بمداد النّور، ويخلّد ذكره في سجّل الخالدين العلماء الأبرار والصّالحين الأخيار، رضوان الله عليهم أجمعين "
وقال فيه أيضًا:
"كان عالماً ربانيّاً، وكبقيّة السّلف الصّالح في الورع والتّقى، والاتّصال بالله والثّقة الكاملة فيه، والتّفاني في سبيله، كما كان آية في الأخلاق الفاضلة والنّـزاهة والبعد عن زخارف الدّنيا وشواغلها، قلّما يوجد له نظير في هذا الوقت".
وقال فيه تلميذه الشّيخ حسين خطاب شيخ قرّاء الشّام:
"أمضيت في صحبته وتحت إشرافه وتوجيهه وتعليمه وتأديبه نحواً من خمسين سنة في غدوّه ورواحه، وسفره وحضره، وجدّه وهزله الّذي ما كان يخرج فيه على دائرة الحشمة، وفي طعامه وشرابه، وحزنه وفرحه، وألمه وصحته، وسِلْمه ونضاله، فوجدته خير مُربٍّ، وخير معلّم، وخير ناصح.
وفاته:
في فجّر يوم الاثنين في 15 ذي القعدة /1398 هـ الموافق لـ 16/10/1978م توفّي الشّيخ حسن عقب مرض نـزل به، وجَلَطات قلبيّة انتابته قبل وفاته بثلاث سنوات، وصُلي عليه في جامع بني أميّة، وشيّع جنازته قرابة ستمائة ألف، ثمّ دُفن في حيِّه حيِّ الميدان، بجوار المسجد الجامع الّذي سعى في إنشائه وإعماره، والّذي سُمّي فيما بعد جامع الحسن، رحمه الله تعالى، وأعلى درجته في أعلى علّيين.