فتاوى الجهاد

إعطاء الأمان لجنود النظام.

حاصرْنا رتلاً تابعاً لعصابة الجيش الأسدي، وأعطيناهم الأمانَ إنْ سلَّموا أنفسَهم، وتبيَّنَ بعد التحقيق معهم أنهم قتلُوا وسرقُوا واغتصبُوا النساء، فما حكم الأمان الذي أعطي لهم، وهل يعاقبون على ما ارتكبوه؟



الإجابة:
الأصل في الأمان قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} وما رواه أبو داود في سننه (2763) أنَّ أمَّ هانئٍ بنتَ أبي طالبٍ أجارَتْ رجلاً من المشركين يوم الفتح، فأتتِ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم, فذكرتْ ذلك له، فقال: "قد أجَرْنَا من أجَرْتِ وآَمَنَّا مَنْ آمَنْتِ" فالأمانُ يَعْصِمُ دمَ المحارِبِ ومالَه، ولا يُحاسَبُ على ما ارتكبه أثناء المعركة مِنْ قتْلٍ وتخريبٍ وغيرها من الأعمال التي هي مِنْ طبيعةِ الحروب وضروراتها، ولا يُقْتَصُّ منه بسببها، ولذلك يقول الإمام الشافعي في كتابه الأم: " قد ارتدَّ طُلَيْحَةُ عن الإسلام، وقتلَ ثابتَ بنَ أفرم، وَعُكَاشَة بنَ محصن، ثمَّ أسلمَ فلمْ يُقَدْ بوَاحِدٍ منهما، ولمْ يؤخذْ منه عَقْلٌ لواحدٍ منهما" (القوَدُ: القصاص، العقْلُ: الدية) . لكنْ نصَّ العلماءُ أنَّ الجرائم التي ارتكبها ممَّا لا تتعلق بطبيعة الحرب فالأمانُ لا يمنع من معاقبته عليها، يقول الإمام النووي-رحمه الله- في "روضة الطالبين": " فَإِذَا أَتْلَفَ بَاغٍ عَلَى عَادِلٍ أَوْ عَكْسُهُ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ: ضَمِنَ قَطْعًا". وقال: "فَلَوْ أُتْلِفَ فِي الْقِتَالِ مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقِتَالِ، وَجَبَ ضَمَانُهُ قَطْعًا". وعلى هذا فما قام به الشبيحة مِنْ قتْلٍ للمدنيين الذين لم يشاركوا في المعارك، وما قاموا به مِنْ سرقةٍ واغتصابٍ وتخريبٍ للمتلكات مما لا علاقة له بساحة الحرب، فإنهم يُحاسَبون عليها، ويحال أمرهم إلى المحاكم الشرعية، لتتخذ في حقهم شرع الله، والله أعلم.