قضايا فقهية معاصرة

ما حكم عقد التأمين؟

ما حكم عقد التأمين؟



الإجابة:
هذا الجوابُ مُخْتَصَرٌ مِنْ بحْثٍ قيِّمٍ كَتَبَه الشيخ عبد الكريم زيدان رحمه الله: عقد التأمين بصورته الحالية عقْدٌ جديدٌ، ولذلك لم يتطرَّقْ إليه الفقهاء الماضون، إلا أنَّ هذا لا يمنع مِنَ التعرُّف على حُكْمِه الشرعيِّ لأنَّ للشريعة حُكْمَاً في كلِّ واقعةٍ تحْدُثُ مِنْ هذه الوقائع الجديدة (العقود الجديدة). وتعريفه كما في الاصطلاح القانوني: هو عقْدٌ بين طرفين، الأول: يُسَمَّى (المؤمِّن)، والثاني: يُسَمَّى (المؤمَّنُ له)، وبمقتضاه يحصُلُ (المؤمَّن له) على تعهُّدٍ لصالحه أو لصالح غيره، من المؤمِّن إذا ما حَدَثَ حادِثٌ معيَّن، وبمقتضى هذا التعهُّدُ يلتزم (المؤمِّن) بتقديمِ أداءٍ معيَّنٍ إلى (المؤمَّنِ له) لقاء قِسْطٍ أو أقْسَاطٍ معيَّنةٍ يؤدِّيها (المؤمَّنُ له) إلى (المؤمِّن) في الأوقات المتّفَقِ عليها. فعناصره إذاً: أ‌- المؤمِّن (الشركة المؤَمِّنَة). ب- المؤمَّن له. ج- التعهُّد من المؤمِّن بأداءِ مبلغٍ معيَّنٍ أو أداءٍ معين. د- الحادث أو الخطر الذي إذا وقع يقوم المؤمِّن بتنفيذِ التزامه. هـ- الأقساط التي يتعهَّدُ المؤمَّن له بدفْعِها إلى المؤمِّن. وهو كما يقول أهلُ القانون من العقود الاحتماليّة(عقود الغرر)، لأنَّ الشَّأنَ في عقودِ الغَرَر جهالةُ كلِّ طرفٍ ما يأخُذُ وما يُعْطِي، وهذا ظاهرٌ في عقد التأمين، فالمؤمَّن له لا يعرف هل سيأخذ ما التزم به المؤمِّن أو لا؟ والمؤمِّنُ سيأخذ الأقساط، ولكنْ لا يعلم هل سيدفع ما التزم به أو لا؟ لأنَّ ما التزم به مُعَلَّقٌ على حدوث الخطر المنصوص به في التأمين، وهو علامة الغرر في العقود. وهو –كما يقولون- أنواع: 1- تأمين الأشخاص : وهو التأمين على الحياة، وصورته أن يتقدَّم شخص إلى الشركة لإبرام هذا العقد معها ويقوم عادة على تحديد مبلغ معين يقدمه (المستأمن) على أقساط دورية في مواعيد معينة، ولمدة محددة كعشر سنوات أو عشرين سنة فإذا انتهت المدة وبقي المستأمن حياً رَدَّتْ إليه الشركة ما دفعه مِنْ أقساطٍ مع فوائده، ويجوز دون فوائد إذا اتفق الطرفان، وإذا توفِّي المستأمن قبل انتهاء المدة فإنَّ الشركة تلتزم بدفعِ مبلغِ التأمين بتمامه وكماله إلى ورثة المستأمِن أو مَنْ يُعَيِّنُه في حياته، حتى ولو لم يدفع إلا قسطاً واحداً. 2- التأمين على ما يصيب بدن الإنسان المستأمن مِنْ حوادثَ لا تؤدِّي به إلى الوفاة. 3- التأمين على الأموال : كتأمين الشخص على داره من الحريق أو الهدم أو نحو ذلك مما يؤدي إلى تلفه. 4- التأمين من المسئولية : وهو أن تتحمل الشركة المسئولية المالية عن الأضرار التي يسبِّبُها المستأمِن على الغير بخطئه كتأمين أصحاب السيارات فيما يقع لهم من أخطاء تضر بالآخرين أو تأمين الأشخاص الذين يقومون بأعمال قد تضر الآخرين وهم في مهنهم وحرفهم . وهذا التأمين بجميع أنواعه يلاحظ فيه الغرر ، فالمستأمن لا يدري كم يدفع حتى يأخذ مبلغ التأمين، وقد يدفع قسطاً أو اثنين، كما أنَّ الشركة لا تعلم هل ستدفع أو لا ؟. وفيه معنى القمار: فقد يدفع قسطاً ويأتيه بالمقابل أضعافاً مضاعفة، وقد يدفع كلَّ الأقساط ولا يناله منها شيءٌ في النهاية، وهو عين القمار. والخلاصة: أنَّ عقد التأمين حرام عند الفقهاء المعتبرين، لما بينا من الأدلة السابقة، ولأنه عقدٌ يصادِمُ بوضوحٍ ضوابطَ الشريعة الغراء. والذي ينبغي أن نشير إليه أنَّ النّاس اليوم يُجْبَرون على بعْضِ صُوَرِ التّأمين، فمثلاً: التجارُ لا تتيسَّر بعضُ أمور تجاراتهم إلا إذا دفعوا تأميناً عليها، وكذا تسجيلُ السيارات لا يَتِمُّ إلا إذا دفع المشتري تأميناً عليها، ولا تُجَدَّد استماراتُها إلا بذلك، وصورُ الإجبار على التأمين صارتْ كثيرةً، فنفتي في مثل هذه الحالات بفتوى الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى التي يجيز فيها التأمين بأنواعِه كلِّها، فتُتَّبعُ في حالة الإجبار فقط، ويبقى الحكم حالة الاختيار غير جائز، والله أعلم.