في هذا الزمن يَعْرِفُ الأطباءُ بواسطة الأجهزة الحديثة ذكورة الجنين أو أنوثته، فهل هذا مِنْ عِلْمِ الغيب؟
الإجابة:
رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمُصَدَّقُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: رِزْقِهِ ، وَأَجَلِهِ ، وَعَمَلِهِ ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ" (رواه البخاري في صحيحه: (2987))، وهذه الأمورُ لا يعلمها أحدٌ إلا الله تعالى.
أمَّا كونه ذكراً أم أنثى: فهذا - قبل ظهور الأجهزة- من الممكن أنْ يُعْرَفَ بعمليةٍ جراحيّةٍ مثلاً، فإذا عُرِفَ بجهاز لا يكون معرفةً للغيب، بل كشفاً لما غاب عن حواسّنا، كما يعرف الإنسان أخبار أهله بواسطة رسالةٍ أو تلفون.. إلخ؛ لأنَّ الغيْبَ يُطْلَق على معنيين:
1- ما غاب عن حواسِّنا، وهذا قد يكون غيبًا عن حواسِّ شخصٍ دون شخص، فالإنسان لا يَعْرِفُ بحواسِّه ماذا جرى في أماكنَ بعيدةٍ عنه، فهْي غيبٌ بالنسبة له، لكنَّ الموجودين في ذلك المكان، المطَّلعين على تلك الحوادث لا يعتبر ذلك الحدث بالذات غيباً عنهم، فنحن مثلا في عمَّان لا تَصِلُ حواسُّنا إلى الكعبة المشرفة، ولا ندري مَنْ يُصَلِّي هناك ومَنْ يطوف، فهو غيبٌ بالنسبة لنا، لكنه ليس غيباً بالنسبة للموجود عند الكعبة المشرّفة، فإذا استخدمْنا أجهزةً تلفزيونيةً فرأينا وسمعنا ما يجري هناك، لا نكون قد علمنا الغيب، بل علمنا حاضراً محسوساً وَصَلَتْ إليه حواسُّنا بوسيلةٍ مادِّيةٍ.
2- والمعنى الثاني للغيب هو: ما يكون في المستقبل، وهذا لا يعلمه إلا الله، لكنْ جَرَتْ سنَّةُ الله تعالى في خلقه أن يجعل للأمور أسباباً وعلامات تدُلُّ عليها، فإذا رأينا الأسباب والعلامات قلنا: سيكون كذا إنْ شاء الله، اعتماداً على سنَّة الله تعالى في خلقه التي تعوَّدْنا عليها، فإذا رأينا مَنْ يغرس بذراً في أرضٍ مناسبة، ووقت مناسب قلنا: سيطْلُعُ الزرع إنْ شاء الله، وإذا رأينا الغيوم والرياح الباردة قلنا: سينزل المطر إنْ شاء الله، وإذا رأينا مَنْ يُلْقِي حطباً يابساً في النار قلنا: سيحترق إنْ شاء الله، كلُّ ذلك اعتماداً على ما جرت عليه سنَّةُ الله في خلقه، ولذا لا تَغفل عن كلمة: (إنْ شاء الله)؛ لأن المسبِّبَ الحقيقيَّ: هو الله، والخالقُ لكلِّ الأشياء هو الله، فقد لا ينبت الزرع وقد لا ينزل المطر لسببٍ ما..وهكذا.
وأنت تلاحظ أنَّ الأمورَ التي يُؤمَرُ الملَكُ بكتابتها -والجنين في بطن أمه- هي من الأمور المستقبلية التي لا يطّلع عليها إلا الله عز وجل، وإن كان أكثر الناس ينصرف ذهنهم إلى قضية (ذكر وأنثى) فقط، ويغفلون عن معنى الغيب الذي ذكرته، فهل يستطيع أحد أن يعرف أن هذا الجنين سيكون ذكياً أم غبياً، غنياً أم فقيراً، متى سيموت، وماذا سيعمل قبل الموت... إلخ، كل ذلك لا يعلمه إلا الله جلّ جلاله.
من فتاوى الشيخ نوح علي سلمان: فتاوى العقيدة، فتوى: رقم3