فتاوى متفرقة

التلفظ بالكفر للمكره

اُعْتُقِلْتُ في سجون الأسد أكثرَ مِنْ سنة، وعُذِّبْتُ عذاباً شديداً، وأُكْرِهْتُ إكراهاً على التلفظ بالكفر عدة مرات، وأنا نادم على ذلك، فهل لي من توبة؟



الإجابة:
ليس عليك إثم ولا حرج، لأنِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: :" إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أمّتي الخطأُ والنسيانُ وما اسْتُكْرِهوا عليه"(رواه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة: (3913))، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده المؤمنين: أنَّ مَنْ أُكْرِهَ على الكفر وقلبه مليءٌ بالإيمان لا يصير كافراً بنصِّ القرآن الكريم، إذ قال ربنا تبارك وتعالى: { مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} (سورة النحل)، أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لمــَّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يهاجر إلى المدينة قال لأصحابه: تفرَّقوا عنّي، فمَنْ كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل، ومَنْ لم تكنْ به قوّةٌ فليذهبْ في أول الليل، فإذا سمعتم بي قد استقرَّتْ بيَ الأرضُ فالحقوا بي، فأصبح بلالٌ المؤذِّن، وخبَّاب، وعمَّارٌ، وجاريةٌ مِنْ قريش كانت أسلمت، أصبحوا بمكة فأخذهم المشركون وأبو جهل فعرضوا على بلالٍ أن يكفر فأبى، فجعلوا يضعون دِرْعاً مِنْ حديدٍ في الشمس ثم يلبسونها إياه، فإذا ألبسوها إياه قال: أحد أحد، وأمَّا خبّابٌ فجعلوا يجرونه في الشَّوْك، وأمَّا عمَّارٌ فقال لهم كلمةً أعجبتهم -تقيَّة- وأمَّا الجارية فوتَدَ لها أبو جهل أربعةَ أوتاد، ثم مدَّها فأدخل الحَرْبَةَ في قُبُلِها حتى قتَلَها، ثم خلَّوا عن بلال وخبَّابٍ وعمَّارٍ، فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بالذي كان مِنْ أمرهم، واشتدَّ على عمَّارٍ الذي كان تكلَّمَ به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف كان قلبك حين قُلْتَ الذي قُلْتَ، أكان منشرحاً بالذي قُلْتَ أم لا؟ قال: لا، قال: إن عادوا فعد" وإنما أتيت لك بهذه القصة لتعلم أن لك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة، فقد أوذوا في الله إيذاء شديداً لا تطيقه الجبال الرواسي، فصبروا وصابروا واحتسبوا، ونالوا ما لم ينله أحد من الأولين والآخرين، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، قَالَ: " كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" (رواه البخاري في صحيحه: (3366))...فاصبروا يا أهل الشام ولا تستعجلوا النصر، فلكم في كل لحظة ترضون فيها عن الله لكم الأجر الوافر والثواب العظيم الذي يدَّخره الله لكم.